Mahmoud elDoghim میں نئی تصاویر شامل کیں۔ صور جنق قلعة
2 سال

(ﺳُﻮْﻧﮕﻲ طاق) ([1])
قصّة عُثمانِيّة واقعيّة
بقلم الشَّاعر الدكتور. محمود السَّيِّد الدّغيم ([2]).

كانتْ أشِعّةُ الشَّمْسِ تَنْشُرُ الدِّفْءَ في أنحاءِ بلْدَةِ "جَرْجَنَاْز([3])" وكانت الحقولُ الزراعيّةُ والمراعِي تُحيطُ بالبلدَةِ من جميعِ الجهاتِ، وكانَ الرُّعَاةُ مع قُطْعَانِهِمْ في المراعي الخضراء، وكانت الفَراشاتُ تطيرُ بَيْنَ الأَزهارِ مَعَ أسْرَابِ النَّحْلِ، والطُّيُوْرُ تُغَرِّدُ ألحانَها المفضلةَ الشجيّةَ على أنغامِ حَفِيْفِ الأشْجَاْرِ، وعَصْفِ الرياحِ.

وَلَمْ يَكُنْ في بَلْدَةِ "جَرْجَنَاْز" سِوى حانوتِ بقّالٍ واحِدٍ؛ هو حانوتُ أبِيْ سَعِيدٍ([4]) الذي يقصدُهُ سُكَّانُ البلدَةِ عِنْدَ الحاجَةِ، وكانَ أبو سَعِيدٍ يقومُ بِمَهَامِّ الْبَقَّاْلِ، والْمُمَرِّضِ، والْمُؤذِّنِ، وشُرطِيِّ النَّجْدَةِ الْمِغوارِ؛ وإذا دَعَتِ الْحَاْجَةُ كان يستعينُ بزُملائِهِ الذين خَدَمُوْا فِي جَيْشِ الْخِلافَةِ الإسلامِيّةِ العُثمانِيّةِ الْمَنْصُوْرَةِ.

وكان أبو سعيد وَزُملاؤُهُ يَسْتَخْدِمُوْنَ مُصْطَلَحَاْتِ الْجَيْشِ العُثمانِيّ في المواقِفِ الصَّعْبَة، وكَأَنَّهُمْ يَسْتَرْجِعُوْنَ مَوَاقِفَ الْبُطُوْلَةِ وَالثَّبَاْتِ عِنْدَ الشِّدَّةِ أثناءَ الغزَواتِ الْمُظَفَّرَةِ، فَيُرَدِّدُوْنَ تِلْكَ الْمُصْطَلَحَاْتِ العُثمانِيَّةِ مِثْل: (جَاندارْمَهْ، قَرَه قُول، كَشْف قُولي، هُجُوم قُولي، صَاغ قُول، صُول قُول، أُون باشِي، يُوزباشِي، بِيكبَاشِي، قُوماندَان، عَسْكَر، عَسْكَرْجَه، عَسْكَرْلِك، قَرَه عَسْكَري، سَرعَسْكَر، سَرْهَنك، جَاوُش، رَدِيف، سَفَربَر، سَفَربَري، سَفَربَرلِك، دَفْعَة، نُوْبَت، كَرَّة، طَابِيّة، تُومان، آلاي، طَابُور، بُوْلُوك، قُوْرشُون، طبانجه، سَرْبَسْت)، إلخ...

وَذَاتَ يَوْمٍ مِن الأَيَّامِ ذَهَبَ أبو سَعيد كَعَاْدَتِهِ لِيُؤَذِّنَ أَذَانَ الظُّهْرِ فِي الْجَامِعِ القَريبِ مِن الْحَانُوْتِ، فاجْتَمَعَ الأَوْلادُ، وَجَلَسُوا عَلى "دِكَّةِ الدُّكَّانِ" الْمُجَاوِرَةِ لِبَاْبِ الْحَانُوْتِ، فَمِنْهُمْ مَنْ أَحْضَرَ بَيْضَ الدَّجَاْجِ لِمُقَاْيِضَتِهِ بِمَا يَحْتاجُ مِن بَضَاْئِعِ الْحَاْنُوْتِ، وَبَعْضُهُمْ يَحْمِلُ القَمْحَ؛ أو الْعَدَسَ؛ أو الشَّعِيْرَ، وكان عَدَدٌ ضَئِيْلٌ منْهُم يَحْمِلُ النُّقُوْدَ الْمَعْدَنِيَّةَ وَالْوَرَقِيَّةَ.

وَبَيْنَمَا كانَ الأطفالُ يتعارَكُوْنَ، وَيُحَاوِلُوَن الاِسْتِحْوَاْذَ عَلى أَمَاْكِنِ الْجُلُوْسِ، فَاْجَأَهُمْ أَبو سَعيد بِعَودَتِهِ مِن الْجَاْمِعِ، وَلَمَّا شَاهَدَ ازْدِحَاْمَ الأَوْلادِ حَوْلَ بابِ الحانوتِ صَرَخَ بِهِمْ: قِفُوْا رَتْلاً وَاحِداً "بِالطَّابُوْر".

قَالَ أَصْغَرُهُمْ سِناًّ: مَا مَعْنَى الطَّاْبُور؟
فَأَجَاْبَهُ طِفْلٌ آخَر: يَعْنِيْ: بِالرَّتْلِ بِالصَّفِّ.
فَقالَ الصَّغيرُ مُسْتَفْسِراً: هَلْ مَا قَاْلَهٌ هَذَا صَحِيْحٌ يَا أَبَا سَعْيد؟.

هَزَّ أبو سَعِيد رَأْسَهُ إِعْلاناً بِالْمُوَاْفَقَةِ عَلَى إِجَاْبَةِ الطِّفْلِ، وَكَرَّرَ قَوْلَهُ: الطَّابُوْرُ: الرَّتْلُ، ثُمَّ جَلَسَ أبو سَعِيد عَلى كُرْسِيٍّ حَجَرِيِّ بِجِوَاْرِ بَاْبِ الْحَاْنُوْتِ، وَتَحَلَّقَ الأَوْلادُ حَوْلَهُ عَلَىْ شَكْلِ نِصْفٍ دَاْئِرَةٍ.

وَرَفَعَ أبُو سَعيد رَأْسَهُ بِافْتِخَاْرٍ وَقَاْلَ: "الطَّابُور": كَلِمَةٌ "عُثْمانلِيَّةٌ"، وَمَعْنَاْهَا: قطْعَةٌ عَسْكَريّةٌ، ومِنْ مَعَانِيْهَا: اصطِفَاْفُ الصَّفِّ الْعَسْكَرِيِّ الْمُنْضَبِطِ بِالرَّتْلِ أَوْ بِالنَّسَقِ أوْ بِغَيْرِهِ.

فَقَاْلَ أَحَدُ الأوْلادِ: وَمَا هُوْ عَمَلُ "الطَّابُور"؟.

image
image
+5